المستقبل لهذا الدين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» ïًè÷هٌêè âîٌٍî÷يûُ ِàًèِ
غزوة تبوك Emptyالثلاثاء أغسطس 02, 2011 5:24 pm من طرف زائر

» الإجهاض أحكامه
غزوة تبوك Emptyالخميس ديسمبر 02, 2010 2:56 pm من طرف زائر

» واحة رمضان
غزوة تبوك Emptyالسبت أغسطس 07, 2010 4:04 pm من طرف المشرف

» مواريث
غزوة تبوك Emptyالسبت أغسطس 07, 2010 3:58 pm من طرف المشرف

» مأثورات الصباح والمساء
غزوة تبوك Emptyالإثنين يونيو 21, 2010 7:22 am من طرف المشرف

» حرب حزيران ومعركة اليرموك
غزوة تبوك Emptyالإثنين يونيو 21, 2010 7:20 am من طرف المشرف

» الحسد
غزوة تبوك Emptyالإثنين يونيو 21, 2010 7:19 am من طرف المشرف

» لن تجدها في كل الصيدليات العالمية
غزوة تبوك Emptyالسبت سبتمبر 12, 2009 11:13 am من طرف المشرف

» الــقــارئ ابـــراهـــيـــم الــجـــبـــريـــن و الــشــيـــخ هـــانـــي الـــرفـــاعـــي‏
غزوة تبوك Emptyالسبت سبتمبر 05, 2009 7:11 am من طرف eman

مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 

اليومية اليومية


غزوة تبوك

اذهب الى الأسفل

غزوة تبوك Empty غزوة تبوك

مُساهمة  المشرف الخميس يوليو 10, 2008 2:33 pm

وصلت الأنباء إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشًا عرمرمًا قوامه أربعون ألف مقاتل... عندها أمر النبي الصحابة أن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى قبائل العرب وأهل مكة يستنفرهم، وأخبر الناس بمسيره، ولم يوري بغير وجهته، فتسابق المؤمنون يجهزون جيش الحق، فتصدق عثمان رضي الله عنه بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره ، فكان رسول الله يقلبها ويقول: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)) ثم تصدق حتى بلغت صدقته تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كله أربعة آلاف درهم، وجاء عمر بنصف ماله، وتتابع الناس كلٌ بما يستطيع حتى أنفقوا مدًا أو مدين، وبعثت النساء من حليهن ما استطعن وخرج المسلمون نحو تبوك وكان قوام الجيش ثلاثون ألف مقاتل، ونزلوا بها فعسكروا وقام النبي في الناس خطيبًا، فخطب خطبة بليغة، وبلغ الرومان وحلفائهم ذلك الزحف المبارك فأخذ منهم الرعب كل مأخذ، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء بل تفرقوا في بلادهم لا يلوون على شيء، فصالح عليه السلام بعض ملوكهم على الجزية وانحاز حلفاء الرومان من قبائل العرب كغسان إلى المسلمين، فتوسعت حدود الدولة الإسلامية، حتى لاقت حدود دولة الرومان، عندها عاد الجيش الإسلامي بخطى ثابتة راسخة، يقطع المفاوز والفيافي بقلوب مؤمنة، وعز وتمكين، فقد أضحوا أقوى قوة على وجه الأرض، هذه غزوة تبوك، عاد منها المسلمون بنصر جديد، ذا طعم آخر، وطابع مغاير، إن ذلك الجيش المبارك الذي أنزل الرعب في قلوب أعظم قوة على وجه الأرض هو جيش الآباء والأجداد، ما حملوا من العتاد أعنفه، ولا من الزاد أكمله، ولكنه الإيمان يعمل في النفوس فيصنع الرجال، وإن الذي لا بد أن تُربى عليه الأمة أمران: الأول: أن النصر والظفر لدين الله مهما تكالب الأعداء، وعظم أمرهم وعلا شأنهم، وهذا موعود الله لا يتخلف.
الثاني: أن النصر ليس وليد يوم وليلة بل تضافر الجهود جميعًا، جهود الولاة والعلماء والمربين والناصحين للنهوض بالأمة من غفلتها وسباتها، وهذا لا بد له من وقت قد يطول لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ ولتتذكر أن أفراد ذلكم الجيش الذي أرعب الرومان في تبوك هم أولئك المستضعفون المعذبون في رمضاء مكة قبل عشرين عامًا، وهم أولئك المطاردون المطرودون من بلادهم وأموالهم وأهليهم، ولكنه الصبر والجهاد والمصابرة، وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم
وإنه متى ذُكِرت غزوة تبوك ذُكِر معها ذلكم الحدث العظيم، الذي عاشته المدينة وتقلبت مع أحداثه خمسين ليلة، إنه خبر الثلاثة الذين خُلفوا، كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، ولا يصف الحادثة كمَن رآها وشاهدها وسمع أحداثها بل عاشها، وتجرع آلامها وأحزانها، فلنترك الحديث لكعب بن مالك يروي لنا فصول تلكم الواقعة، قال: ما اجتمع لي في غزاة قبلها قط راحلتان فسار النبي عليه السلام، فقلت: سوف ألحق بهم، حتى تباعدوا، وبلغني أنهم وصلوا تبوك، فيئست من الذهاب، وعلمت أن فاتني اللحاق.
وكان من عادته إذا جاء من سفر أو غزاة أن يبدأ بالمسجد، فيصلي ركعتين ثم يجلس للناس. فجاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، هذا يشكي مرضه، وذاك قلة ذات اليد عنده، وآخر نساءه وعوراته، كانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، وجاءه كعب بن مالك، فلما سلم عليه، تبسم تبسم المغضب، ثم قال له: تعال: فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ((ما خلفك، ألم تكن قد اتبعت ظهرك)) فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت أن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عليَّ، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله : ((أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك)) إنه الصدق شعار المتقين الصالحين قد يكون أثره القريب ألمًا وحسرة، ولكن عواقبه فوز وفلاح، إنه الدرس العظيم للأمة بأن تعيش في حياتها تحت لواء الصدق، إنه الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابًا.

فقمت، وثار رجال من بني سلمة، فاتبعوني يؤنبوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك واستغفار رسول الله لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين شهدا بدرًا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
وهنا يفتن كعب بقرابته فزينوا له العذر وكفاية الاستغفار من رسول الله ، ومن هنا كان لزامًا على أبناء الأمة أن يعلموا أن النصح والمشورة لا تؤخذ إلا ممن وفق للهدى والاتباع الذي يتمشى مع الحق حيث كان، لا من يلوي عنق الحق والحقيقة ليكسب ود قريب أو شريف، ويرى بعين كسيرة لا تبصر إلا ما تحت يدها من الأهداف. لذلك كان كعب رضي الله عنه حازمًا قويًا حين رضي بالصدق، والحق وإن كان مر المذاق في أوله، ولم يغرَّه وهو الذي رأى أصحاب القلوب المريضة يعتذرون ويتخلقون الأعذار فيؤذن لهم،لا بل ويستغفر لهم.
وهو حينما صدق أُلجئ لا يدري إلى أين يكون مصيره، إنه الفهم الثاقب، والنظرة البعيدة لحقائق الأمور وبواطن تلك الحقائق.
عندها صدر الأمر، وشاع الإعلان أن قاطعوا الثلاثة من بين من تخلف، قال كعب: فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، لا إله إلا الله إنها ليست مسألة سهلة أن تكون بين أهلك وقومك وفي بلدك وديارك وبين عشية وضحاها ينقلب كل شيء، بينما الوجوه تهش وتبش لك إذا بالعبوس يعلوها والشحوب يكسوها قد كانت بالأمس القريب تحادثني وتلاطفني فما بالها اليوم، قد أبدلت بالحديث هجرًا وصمتًا، والبشر عبوسًا وصدًا، قال: فأما صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم فكنت أخرج، فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وأتى رسول الله ، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام عليَّ أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي، أقبل إليَّ وإذا التفت نحوه، أعرض عني، إنها المعاناة الحقيقة أن تسير بين أهلك وأحبابك، لا يحدثك أحد ولا يبتسم في وجهك مخلوق، بل تخاطب القوم فلا تتحرك لهم شفه، ويذهب إلى أحب الناس إليه وأرحمهم به، إلى البر الرحيم، إلى رسول الله، الذي لطالما علّمه وواساه وسأل عن حاله فيسلم عليه فلا يرد عليه السلام، إنه حصار نفسي رهيب، وحرب على المشاعر كبيرة.
قال: حتى إذا طال عليَّ ذلك في جفوة المسلمين، مشيت حتى جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحبُّ الناس إليَّ فسلمت عليه، فوا الله ما رد عليَّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت، فعدت، فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، إنه مع ما في هذا الموقف من زيادة الحرج على كعب رضي الله عنه حتى إنه لم يملك عيناه أن فاضتا إلا أنه يبين صدق الاتباع والائتمار بأمر رسول الله ، فأبو قتادة كان خِلواً من الرقيب والحسيب، وكعب أحب الناس إليه وأقربهم منه، ومع ذلك لم يزد أن قال: الله ورسوله أعلم، ولا يعد كلامًا عرفًا كما قال ابن القيم رحمه الله: وهكذا ضاقت على كعب الأرض بما رحبت، بل ضاقت عليه نفسه التي بين جنبيه، فبعد هذا الجواب من أحب الناس إليه لا يرجو عند أحد فرجها، قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني، دفع إليَّ كتابًا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد: فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. حينها هل انفرجت أسراير كعب، وصاح في أعماقه أن جاء الفرج، وسار فرحًا مغتبطًا ليعد العدة للمسير إلى ملك غسان ليخرج من هذا الخناق... كلا... بل قال: وهذا أيضًا من البلاء فتيممت التنور فسجرتها، أي أحرقتها، لقد كان بمقدور كعب أن يفكر في الأمر أو يشاور، والملك لم يدعه إلى كفر أو فسوق بل كل ما قال: إلحق بنا نواسك، ولكنه الحزم والرشد وسد كل باب يفضي إلى الهلاك والعطب، ولم يقل نذهب ونجرب، فالقضية ليست موضع تجربة.
قال كعب: حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله يأتيني فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها؟ قال: لا، ولكن اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي: ألحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه قال: لا، ولكن لا يقربك، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. إنه موقف الحزم والطاعة يتكرر مع كعب، فلم يقل وما شأن المرأة ما ذنبها؟ وإنما: إلحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال كعب: ولبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا بينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى، قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى من جبل سلع بأعلى صوته، يا كعب بن مالك: أبشر، فخررت ساجدًا فعرفت أن قد جاء فرج من الله، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت إلى رسول الله فتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئونني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بين عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولست أنساها لطلحة، وهكذا استقبله الناس ولكأنما هم أهل التوبة وحالهم تحكي: أنا نحبك يا كعب، ولكنه الاتباع والانصياع لأمر الله ورسوله، ولبيان حالهم يقول: ما مثلك يجفى ويقلى، ولكن لقول الله ورسوله: سمعنا وأطعنا.
وفي هذا مشروعية سجود الشكر عند الفرج والفرح وإهداء المبشر ومكافئته، واستحباب التبشير والحفاوة بمن فرج الله عنه وتاب عليه كما فعل طلحة. عندها سار كعب إلى النبي إلى الوجه الذي طالما شاع عنه تأديبًا، وأعرض عنه تربية وتأنيبًا، سار إلى الرجل الذي أحبه كأعظم ما يكون الحب يفديه بالنفس والمال والأهل، تقدم ليصافح اليد الحانية، التي ما لامسها منذ خمسين ليلة، تقدم ليسمع الصوت الحنون الرخيم، وأذنه قد اشتاقت لجميل صوته، ولطيف عباراته.
قال: فلما سلمت على رسول الله قال: وهو يبرق وجهه من السرور: ((أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك)) قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: ((لا بل من عند الله)) وكان رسول الله إذا سُر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر. وكنا نعرف ذلك منه.
إنها التربية العظيمة والحال تُبين: أن كل خطأ يُغتفر ويهون إلا الخطأ في الدين ولأجل الدين.
والله ثم تالله لإشراقة وجه رسول الله وابتسامة محياه لأنست كعبًا عناء الخمسين ليلة وألمها.
قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله فقال: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)) قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، وفيه استحباب الصدقة عند التوبة بما قدر عليه من المال كما قال ابن القيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأْنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ[justify]
المشرف
المشرف

المساهمات : 59
تاريخ التسجيل : 19/06/2008
الموقع : http://sameer.ahlablog.com

http://sameerharasis.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غزوة تبوك Empty غزوة تبوك دروس وعبر

مُساهمة  المشرف الخميس يوليو 10, 2008 3:24 pm

حاول أعداء هذا الدين القضاء عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فما أفلحوا، وحاولوا في عهد الخلفاء الراشدين فما أفلحوا، ثم في العصور المُتَأَخرة إلى وقتنا هذا و هم يحاولون دائبين ؛ بالعنف و الصراع المُسلح تارة، و بالمكر والخداع و الخطط و المؤامرات تارة أخرى، ولسنا مجازفين عندما نقول ذلك ؛ فالله يقول :{...وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.... ويقول سبحانه:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.... هذه شهادة الله على أعدائنا بما يريدونه منا، و أَيُ شهادة أعظم من شهادة الله وأصدق . والتاريخ في ماضيه و حاضره يشهد بذلك، لكن أنَّى لهم أن يفلحوا ما تمسَّكنا بكتابنا وسُنَّةِ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يوم يُقلِّب المرء صفحات الماضي المجيد، ويتدبر القرآن الكريم، ثم ينظر لواقعنا، ويقارنه بماضينا؛ يتحسر يوم يَجِد البَوْن شاسعًا، يتحسر يوم يرى تلك الأمة وقد كانت قائدة، وإذا بها قد أصبحت تابعة، ثم يدرك أن السبب هو بُعدنا عمَّا كان عليه أسلافنا، ويتساءل المرء متى ينزاح هذا السواد الحالِك من الذل والمسكنة؟! متى يَنْبَرِي للأَمَّة أمثال خالد وصلاح والقعقاع ؟! متى تُحيَا في القلوب آل عِمران، والأنفالُ، وبَرَاءة؟!
وإنَّا لنرجُو اللهَ حتَّى كأنَّما نَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللهُ صَانِعُ
عَودًا سريعًا إلى الماضي المجيد لنستلهِم منه الدروس والعبر في هذا الحاضر العاثر، عَودًا لسيرة من لم يطْرِق العالم دعوة كدعوته، ما أحرانا و نحن في هذه الأيام العَصِيبة أن نخترق أربعة عشر قرنًا ؛ لنعيش يومًا من أيام محمد صلى الله عليه وسلم، بل ساعة من سُوَيْعاته الثمينة، لنأخذ العِبرة و الدروس من تلك الساعة في هذه الساعة :
اقرءوا التَّارِيخَ إِذْ فيه العِــبَرْ ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَــبَرْ
عَوْدًا بكم إلى السنة التاسعة للهجرة؛ لنعيش معكم أحداث غزوة العسرة التي تساقط فيها المنافقون، وثبت فيها المؤمنون، وذَلَّ فيها الكافرون، ما السبب وما الأحداث؟ ما آيات النبوة فيها؟ ما الدروس المستفادة؟ إليكموها فاعتبروا بما فيها.
بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم ؛ لكونه قد أذاقهم مرارة غزوة مؤتة التي جلبوا لها مائتيْ ألف، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل ؛ بل ولا هزيمتهم، فيا للَّه !!
كنا جبـالًا في الجبـال و ربمـا صـرنا على موج البحـار بحـارًا
عند ذلك أعلن النبي صلى الله عليه وسلم ولأول مرة عن مقصده، وأعلن التعبئة العامة، فتجهز أقوام، وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم من الله، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله ..تساقط المنافقون، ومن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلًا . هاهو أحد المنافقين فَرَّ من الموت وفي الموت وقع، أعرض عنه- صلى الله عليه وسلم- وعذَره، لكن الذي يعلم خائنة الأعين، و الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ –وأذلَّه- وأنزل فيه قرآنًا يُتلى:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا..
ويتخلف أناس آخرون عن الخروج، غلبتهم نفوسهم لصعوبة الظرف واشتداد الحرب . ويأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة، وعز عليهم التخلف، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة، فأتَوْا يقولون : يا رسول الله لا زاد ولا راحلة، ويبحث لهم صلى الله عليه وسلم عن زاد و راحلة، فلا يجد ما يحملهم عليه فيرجعوا { تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ.
وتدنو ثمار المدينة ويشتد الحر، ويبتلي الله من يشاء من عباده، و يخرج صلى الله عليه وسلم ويستخلف على أهل بيته عليًا رضي الله عنه، ويخيم صلى الله عليه وسلم في ثنية الوداع و معه ثلاثون ألفًا، و يأتي المنافقون الذين لا يتركون دسائسهم و إرجافهم على مر الأيام، يلاحقون أهل الخير والاستقامة، يلمزون ويهمزون ويتندرون ويسخرون، سخر الله منهم، و يستهزئون، و الله يستهزئ بهم.
و قبل مسيره صلى الله عليه وسلم تقوم فرقة للصَدِّ عن سبيل الله، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت أحدها، تقول- و هي تزهد في الجهاد- : لا تنفروا في الحَرِّ، تشكك في الحق، وترجف برسول الحق، ويتولى الحق الرد:{ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ] .
هم في مؤامرة الصَدِّ عن سبيل الله، ويأمر صلى الله عليه وسلم بإحراق البيت عليهم، ويُنَفِّذُ ذلك الأمر طَلْحَةُ، فيقتحمون الأسوار خوفًا من نار الدنيا، فتنكسر رِجل أحدهم، و يفِرُّ الباقون، و يَعِزُّ جُنْد الحق رغم أنوفهم، و يخيب كل منافق خَوَّان . ويتوجَّه صلى الله عليه وسلم و يمر بديار ثَمُود، ديار غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية، و آبارهم معطَّلة، و أشجارهم مقطَّعة، فيدخلها وقد غطَّى وجهه، وهو يبكي، ويقول لجيشه: [لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ]رواه البخاري ومسلم .
يا لله ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! هذه أرض سكنها الظَلَمَة، فقولوا لي بالله .. فيمن يجالس الظَلَمَة، و يؤيد الظَلَمَة، و يركَن إلى الظَلَمَة، و يكون لهم أنيسًا و لسانًا و صاحبًا.. كيف يكون حاله؟! ألا يخاف أن يغضب الله عليه ؛ فيأخذه أخذ عزيز مقتدر:{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ...] .
لازال صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تَبُوك، قد بلغ به الجوع والتعب والإرهاق مبلغًا عظيمًا، لكن في سبيل الله يهون، و مع السَّحَرِ ينام من التعب على دابَّتِه حتى يكاد يسقط- كما في صحيح مسلم- فيقترب منه أبو قتادة، فيَدْعَمَه بيده حتى يعتدل، ثم يميل مَيلةً أخرى، فيدعمه أبو قتادة حتى يعتدل، ثم يميل مَيلة أشَدَّ من المَيلتين الأُولَيين، حتى كاد يسقط، فيدعمه بيده، فيرفع رأسه- صلى الله عليه وسلم- و يقول: [ مَنْ هَذَا] قال : أنا أبو قتادة، فيُكَافِئَه صلى الله عليه وسلم، فبمَّ كافأه ؟ قال: [ حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ]. يقول أهل العلم: فوالله مازال أبو قتادة محفوظًا بحفظ الله في أهله وذريته ما أصابهم سوء حتى ماتوا، وهذا درس عظيم، فإن من حفظ الله؛ حفظه الله فلا خوف عليه، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء .
وينتهي المسير بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ويقيم بضع عشر ليلة ويدنو من الروم ويفزعهم، ويكاتب رسلهم، و يفرض عليهم الجزية، و هم صاغرون، ولم يلق كيدًا منهم؛ لأن الله قد نصره بالرعب مسيرة شهر، فلم يقرب إليه الروم خوفًا وفزعًا، وقد كانوا قبل قد عزموا على غزوه في عقر داره:{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا[15]وَأَكِيدُ كَيْدًا[16]فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا] .
ويرسل صلى الله عليه وسلم خالدًا على رأس أربعمائة مجاهد في سبيل الله إلى أُكيْدِر ملك دومة الجندل، و يخبر صلى الله عليه وسلم خالدًا أنه سيلقاه يصيد بقر الوحش، خرج خالد، ولما بلغ قريبًا من حصنه، وجده قد خرج للصيد كما أخبر، فتلقته خيل الله بقيادة خالد، فاستأسرته، واستلب خالد منه قميصًا مخوصًا بالذهب، و بعث به إلى رسول الله قبل قدومه عليه، فجعل المسلمون يتعجبون منه، فقال صلى الله عليه وسلم- مُزهِّدًا لهم في زخرف الدنيا- : [ أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا]رواه البخاري ومسلم. قدم خالد بالأكيدر، وحقن دمه صلى الله عليه وسلم و ضرب عليه الجزية، ولكنه مجرم، ولو علم الله فيه خيرا لأسمعه، نقض العهد في عهد أبي بكر، فقتله خالد رضي الله عنه وأرضاه. وهكذا نصر الله جنده وأولياءه ورسله وعباده في الحياة الدنيا، وينصرهم يوم يقوم الأشهاد.
ويعود صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى و يهود و مشركين، يعود في يوم بهيج، لتستقبله المدينة نور بصرها صلى الله عليه وسلم يخرج الأطفال في فرح، ليصطفُّوا إلى مداخل المدينة، وعلى أفواه الطرقات، و هنا قال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ] قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: [وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ]رواه البخاري.
وهكذا انتصر المسلمون في تبوك على شهواتهم وأنفسهم، وبالتالي انتصروا على أعدائهم:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] هذه غزوة تبوك قائدها محمد صلى الله عليه وسلم، جنودها صحابته رضوان الله عليهم، عز فيها المؤمنون، وسقط المنافقون، وذل الكافرون وانهزموا، وبالجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله يُنصَر المؤمنون، و المؤمنون على عناية ربهم يتوكلون، لا خوف يُرهبهم، و لا هم في الحوادث يحزنون.
دروس وعبر من غزوة تبوك:
ولئن انتهت غزوة تبوك ، فما انتهى نورها، و ما انتهت دروسها وعبرها ومواعظها، ففي كل حديث منها قصة، و في كل قصة عظة وعبرة، و في كل ذكرى منها موعظة، هل يكفي سرد أحاديث الماضي، والتغني بالذكر الغابر؟ هل يجزي هذا، و قد تشابكت بأمة الإسلام –في هذه الأعصار- حلقات من المحن، و تقاذفتها أمواج من الفتن، وصيح بهم من كل جانب، و تداعى عليهم الأكلة من كل فج . لابد أن نستفيد مما مضى، فهاكم بعض دروسها وعبرها:
وأول هذه الدروس: أن هذه الأمة أمة جهاد، و مجاهدة، و صبر، ومصابرة، و متى ما تركت الجهاد، ضُربت عليها الذلة والمسكنة .
دعِ المِـداد و سطِّر بــالدَّمِ القانِي و أسكتِ الفَمَ و اخطبْ بالفمِ الثَّـانِي
فَــمُ المدافعِ في صدرِ العـداة لهُ منَ الفصاحةِ مـا يُذري بسـحبانِ
ومن هذه الدروس: أن الله تعالى، كتب العزة والقوة لهذه الأمة، متى ما صدقت وأخلصت، فها هي دولة الإسلام الناشئة، تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه، وتنتصر عليه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ..] .
ومن هذه الدروس: أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة، إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية:{ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ... .
ومن هذه الدروس: أن مواجهة الأعداء، لا يشترط فيها تكافؤ القوى: يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، و يتعلقوا به، ويثبتوا، ويصبروا، وعندها يُنصروا، فها هو سلفهم ابن رواحة يقول:' والله ما نقاتل الناس بعَدد، ولا عُدد، و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به' .
ومن هذه الدروس:أن الحق لابد له من قوة تحرسه، لا يكفي حق بلا قوة .
ومن هذه الدروس:أن الأعداء لن يَرْكنوا إلى السكون، و لن يصرفوا أنظارهم عن دولة محمد صلى الله عليه وسلم سابقًا و لاحقًا، فهم يُجمعون أمرهم و شركاءهم، و يُعمِلُون مكرهم و دسائسهم:
{... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. في نهاية هذه الغزوة هاهي مؤامرة دنيئة يقوم بها أدنياء سفلة عددهم اثنا عشر شقيًا منافقًا تواطئوا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم. وتنفيذ الخطة - في تقديرهم- بمضايقته في عقبة في الطريق إلى تبوك ليسقط من على راحلته فيهلك -على حد زعمهم-، و يصل إلى العقبة تَحُفُّه عناية الله ورعاية الله، حذيفة آخذ بخطام ناقته، وعمار يسوقها، و إذ بالأشقياء يعترضون الناقة لينفذوا مخطط الشقاء والعار، فيصرخ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيولوا مدبرين، و يحفظ الله سيد المرسلين، و ينزل الله قوله في المنافقين:{... وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا... . ويرسل بعدها صلى الله عليه وسلم عليهم سهمًا إلى الحي القيوم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؛ إذ يدعو اللهَ عليهم أن يهلكهم، فيصاب كل واحد منهم بخُرَّاج يخرج في ظهر الواحد منهم، و يدخل إلى قلبه ؛ فلم ينجُ منهم أحد ؛ فإلى جهنم، وبئس القرار .
ومن دسائس أعداء الله: أنهم أرسلوا لكعب بن مالك رضي الله عنه، يوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجره أرسلوا إليه يقولون له: بلغنا أن صاحبك جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ؛ فالْحقْ بنا نُواسِك، لكن كعبًا مؤمن علم أن هذا من الابتلاء، فيمَّمَ التنور، فأوقده بالرسالة:{...وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.
هذا هو ديدن أعداء الإسلام في الغابر والحاضر، في كل زمان و مكان، يتحسسون الأنباء ويترصدون، ويتربصون بالإسلام و أهله، و كم من أقدام في مثل هذا ذلَّت!، وكم من أرجل في مثل هذه الأوحال قد انزلقت !، أما كعب فيمَّمها التنور و سجَّرها، و كم في الأمة من أمثال كعب !.
فدت نفسي و ما ملكت يميني فوارس صدقت فيهم ظنوني
ومن هذه الدروس: إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرةٍ أقوى و ألف مهند: قضى الله أنه متى ما حادت الأمة عن عقيدتها، و تعلقت بهذا أو بذاك؛ إلا وتقلبت في ثنايا الإهانات والنكبات والنكسات حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها .
من يتق الله و ينصر دينه لابد في ساح المعارك يُنصَر
ألا وإن من أعظم الدروس من غزوة تبوك - و المسلمون يمرون بأحداثهم المعاصرة و متغيراتهم الحثيثة- إنه الدرس الجامع الذي يكون من محراب الجهاد و كفى .. من محرابه تنطلق قوافل المجاهدين بالجهاد ترد عاديات الطغيان ؛ فيكون الدين لله، ولا تكون فتنة، جهاد بالنفس والمال واللسان والسنان، ويبقى دين محمد –صلى الله عليه وسلم- مهيمنًا .
فيا أمة الإسلام في كل زمان ومكان اتقوا الله، وأجمعوا أمركم، وذُودوا عن دينكم ومحارمكم ؛ فإن من لا يذود عن دينه ومحارمه ولا ينتصر لدينه؛ ذليل حقير، غير حقيق بالعزة ؛ بل لا تحلو له الحياة، اصبروا، وصابروا، ورابطوا، و بما تمسك به أسلافكم تمسكوا، جاهدوا كجهادهم، و اصبروا كصبرهم، وتوكلوا على الله، و ثقوا بالله واطمئنوا، و أبشروا، و العاقبة للمتقين :{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ[]إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ[]وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[ .
'خذوا إيمان إبراهيم، تنبت لكم في النار جنات النعيم' .
يا أمة الإســلام فانتفضي . . . فـإن الجــرح غـائـر
والجمع مُذْ فقد العقيدة فهـو . . . مضطــرب وحـائـر
وجريحنا الأقصى هـوى . . . وديـس بـالحـوافــــر
فهناك تعبث في جوانب أرضه . . . عُـصَــب الكوافـر
وتسومهم ذلا وخسفـًا . . . كالبهائـم فـي الحظائــر
يا أمتي فلتنفضي عنك . . . الغبـــار وتستعـــدي
ولتنفري نحو الجهاد بكل . . . إقـــدام وجــــد
إن الجهاد به نرد لَجاجـة . . . الخـصــم الألــــدِّ
وبدونه نبقى على ما نحــن . . . من أخـــذ ورد
يا رب أيقِظْ أمتي حتى تعود . . . إلى رحــــــابك
واهدِ الولاة لكي يسوسوها . . . بوحي من جنابــــك
وأمدها بالنصر ليس النصر . . . إلا من جنابـــــك
هذه بعض دروس من هذه الغزاة العظيمة، غيض من فيض، وقطر من بحر، وكتب السيرة تفيض بذلك فاتقوا الله، وعوها، وطريق أسلافكم اسلكوها، عودوا فالعود أحمد، اللهم أعز الإسلام و المسلمين، وأذل الشرك و المشركين، اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام و للمسلمين، و أهلِكْ من في هلاكه صلاح للإسلام و المسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه وليك.
المشرف
المشرف

المساهمات : 59
تاريخ التسجيل : 19/06/2008
الموقع : http://sameer.ahlablog.com

http://sameerharasis.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى